التوحد عند الأطفال ، أو اضطراب طيف التوحد ، يعرف بالذاتوية ( Autism ) . ماهو ؟ وما هي أسبابه ؟ كيف يبدو طفل التوحد ؟ كيف يتم تشخيصه ؟ ما هي أعراض و علامات مرض التوحد ؟ وكيف تختلف أعراضه بين الأطفال بحسب العمر ؟
هل يمكن الوقاية منه ؟ هل له علاج ؟ وما هي نسبة إنتشاره بين الأطفال ؟ وهل الوراثة لها دور في الإصابة به ؟ وهل يمكن تشخيصه بدقة عن طريق التحليل الجيني للطفل ؟ ما هي الفترة أو العمر المناسب الذي يمكن فيه تشخيص التوحد بدقة ؟ وهل يمكن تشخيصه في عمر أقل من سنة ؟
كل إجابات هذه الأسئلة سنجدها بشكل واضح ومفصل في هذه المقالة . بحيث عند الإنتهاء منها ستكون عزيزي القارئ قد كونت فكرة كاملة عن هذا الإضطراب ، من ناحية تعريفه ، و درجات الإصابة به ، و القدرة على تشخيصه . فهيا بنا …
ما هو التوحد ؟
التوحد أو الذاتوية Autism spectrum disorder ( ASD ) ، هو عبارة عن اضطراب نمائي ، يحدث معه تأخر في النمو والتطور الطبيعي لسلوك الطفل وقدراته .
بحيث يكون هناك ضعف في التواصل والتفاعل الإجتماعي . مع ضعف في التواصل اللفظي والغير لفظي . يصاحبه أفعال وسلوكيات محددة ومكررة .
أي أن هذا الإضطراب يؤثر بشكل سلبي على الطفل في ثلاثة جوانب رئيسية . هي ( سلوكه وتفاعله مع من حوله ) و ( تواصله مع من حوله ) و ( أنماط سلوكية غريبة مكررة باستمرار ) .
ويحدث هذا الإضطراب عندما تنمو خلايا الدماغ بشكل غير طبيعي ، بسبب مجموعة من المسببات التي سنذكرها بعد قليل .
ما هي أسباب طيف التوحد ؟
حتى الآن لا يوجد سبب تم تحديده يسبب هذا الاضطراب . وأما سؤال هل التطعيمات أو اللقاحات تسبب التوحد ؟ فالإجابة قولا واحدا ( لا ) فليس هناك أي علاقة بين اللقاح أو التطعيم والإصابة بهذا الإضطراب أبدا .
ولكن أقرب نظرية قد تفسر سبب الإصابة بهذا الإضطراب هي نظرية ( تعدد الأسباب ) أي أن هناك أكثر من سبب ، وأكثر من عامل مؤثر أدى لإصابة الطفل بهذا الإضطراب . فهناك عوامل و أسباب مشتركة جينية وغير جينية ( بيئية ) قد تم رصدها لدى الأطفال التوحديين .
فقد لوحظ إجتماع أكثر من عامل لديهم قد أدى لظهور أطياف هذا الإضطراب ، وأنا أقول أكثر من عامل وليس عامل أو سبب واحد . وقد تم حصر معظم هذه العوامل على النحو التالي :-
1- التعرض للملوثات البيئية ، أو المعادن الثقيلة ، كالزئبق و الزرنيخ و الرصاص لمدة طويلة . سواء عندما كان الطفل جنينا أو بعد الولادة .
2- وجود أحد أفراد الأسرة من الدرجة الأولى مصابا بهذا الإضطراب ، قد يزد من فرص إنجاب أطفال آخرين مصابون به أيضا ( العامل الوراثي ) .
3- أن يولد الطفل لأبوين كبيرين في السن .
4- أن يولد الطفل بوزن منخفض . أو نقص الأكسجين أثناء الولادة .
5- التعرض لإلتهابات فيروسية أدت لحمى شديدة للطفل أو للأم أثناء الحمل . فعلى سبيل المثال الإصابة بالحصبة الألمانية أثناء الحمل قد تؤدي للإصابة بالتوحد بنسبة 1% . لذلك فالتطعيم ضد الحصبة الألمانية يمنع الكثير من تلك الحالات .
6- السقوط المتكرر على الرأس ، أو التعرض لنوبات التشنجات الحرارية للرضع لفترات طويلة بشكل متكرر .
7- الطفرات الجينية .
8- استعمال الأم الحامل الأدوية النفسية أثناء الحمل . كمادة حمض الفالبرويك .
9- النقص الشديد في فيتامين دال لدى الأم أثناء الحمل أو الطفل الرضيع .
ماهي أنواع طيف التوحد ؟ ( من حيث التشخيص )
1- التوحد الكلاسيكي ( Classic Autistic Disorder ) وتسمى متلازمة كانر Kanner’s Syndrome . وهو اسم الطبيب الذي قام بتشخيص مرض التوحد لأول مرة عام 1943 م . وهو الذي تجتمع فيه كل أو أكثر من 90 % من الصفات والعلامات التي سنذكرها لاحقا .
2- اضطراب الطفولة التفككي ( Childhood Disintegrative Disorder ) ويعرف بمتلازمة هيلر . وهو اضطراب نادر يصيب الذكور أكثر من الإناث . وهو يشخص في فترة متأخرة من الطفولة ، بعمر الثلاث أو الأربع سنوات تقريبا .
وفيه يبدأ الطفل تدريجيا و بشكل سريع أو بشكل مفاجئ بفقدان اللغة و التواصل الإجتماعي والمهارات الحركية كالقدرة على المشي أو الإمساك بالأشياء .
3- اضطراب النمو الشامل الغير محدد ( PDD-NOS ) ويسمى التوحد الغير نمطي ( Atypical Autism ) وقد تم إزالته مؤخرا من أنواع التوحد حسب آخر إصدار DSM-5 .
حيث أن الطفل المصاب به توجد لديه بعض الصفات المشابهة للتوحد لكن بدرجة بسيطة . من حيث المشاكل في التواصل و الإندماج ، وحب الروتين ، ومشاكل في إستعمال الكلمات وفهم اللغة .
4- متلازمة أسبرجر ( Asperger’s Syndrome ) وهناك الكثيرون يعتبرونه أحد أطياف التوحد . ويطلقون عليه التوحد عالي الأداء . وهو يعتبر أخف أنواع أطياف التوحد . وهو ينتقل وراثيا .
وفيه يكون معدل ذكاء الأطفال طبيعي أو أعلى من الطبيعي ( لذا يطلق عليهم أحيانا العباقرة الصغار ) وأكبر مشاكلهم هي في التواصل الإجتماعي . حيث يظهرون تفاعلا أقل في التواصل اللفظي و الغير اللفظي . كما لا يتأثرون بمشاعر المحيطين بهم ، ويجدون صعوبة في فهم الآخرين ، أو فهم الدعابات .
ماهي درجات التوحد عند الأطفال ؟
كثير من الأسئلة يتم طرحها مثل ( ما هي أعراض التوحد البسيط ؟ ) أو ( ماهو أصعب أنواع التوحد ؟ ) أو ( ماهي أنواع التوحد الخفيف ؟ ) .
والإجابة للأسف ستكون صعبة بعض الشيء وغير محددة . والسبب أنه لايوجد على وجه الأرض طفلين مصابين بنفس درجة التوحد . فمن المهم جدا جدا أن نعلم أن كل حالة توحد هي حالة فريدة وخاصة وقائمة بذاتها ، فلا يوجد طفل توحدي يماثل طفل توحدي آخر أبدا .
فقد يتشابه طفلان أو أكثر في صفة أو أكثر من صفات التوحد . لكن تختلف درجة وشدة الإصابة في هذه الصفات بينهم .
فنجد مثلا أن هناك طفلان مصابان بأحد أطياف التوحد وهو الرفرفة باليد ، لكن أحدهم يستخدمها يوميا عشرات المرات في لحظات الشعور بالفرح أو الغضب .
لكن الاخر يستخدم الرفرفة في نوبات الفرح أو الغضب لكن مرة في اليوم أو مرة كل عدة أيام ، عندما تكون النوبة شديدة فقط . وهكذا مع كل صفات و أطياف التوحد .
أما تقسيم أنواع التوحد التي ذكرناها بالأعلى من حيث شدة الإصابة ، و القدرة على التواصل والقدرة على التكيف مع البيئة والأشخاص من حوله ، فهي على النحو التالي :-
أصعب أنواع التوحد والذي تظهر معظم أو كل صفات و أطياف هذا الإضطراب بدرجات شديدة هو التوحد الكلاسيكي . خاصة لو كان معه تأخر عقلي .
ويأتي بعده اضطراب الطفولة التفككي . ثم اضطراب النمو الشامل والذي يظهر فيه الطفل أعراض أكثر شدة من الأسبرجر ، لكن أقل حدة من التوحد الكلاسيكي بشكل كبير .
أما أخف أنواع هذا الإضطراب فهو اضطراب متلازمة اسبرجر . حيث يظهر فيه الطفل درجة خفيفة من قلة التواصل الإجتماعي ، و ضعف في الإدراك و مبادلة المشاعر والعواطف . ولا يعاني من أي إعاقة ذهنية .
ما هي مستويات التوحد الثلاثة ؟
1- التوحد من المستوى الأول . كما في متلازمة أسبرجر . هو أخف مستوى من مستويات هذا الإضطراب . ويحتاج لمجهود أقل في تعديل السلوك من المستويين التاليين .
2- المستوى الثاني . حيث يحتاج الطفل دعما أكبر . حيث يعاني من درجة متوسطة أو أكثر قليلا من حيث الضعف في التواصل الإجتماعي واللغة والتعبير .
3- المستوى الثالث . والذي يحتاج إلى دعم ومجهود كبير جدا . حيث يظهر الطفل درجة حادة من الضعف في المهارات التواصلية واللغة والروتين والمشاعر .
وتختلف المستويات بسبب إختلاف شدة الحالة . فقد يكون اضطراب التوحد مصاحبا لإعاقة ذهنية . أو قد يكون مصاحبا لاضطراب سلوكي آخر ، أو مرض نفسي آخر كمرض انفصام الشخصية .
وقد يصاحب التوحد ضعف شديد في التواصل اللغوي ، أو ضعف بسيط ، أو قد لا يكون هناك ضعفا بالأساس في اللغة لدى الطفل التوحدي ( طفل التوحد الناطق ) .
مفاهيم عامة و هامة عن هذا الإضطراب
1- هذا الإضطراب يمكن الشفاء منه تماما ، أو التحسن منه بشكل كبير جدا . بشرط أن لا يكون مترافقا مع إعاقة ذهنية .
2- قد يظهر الطفل العادي بعض الأنماط أو السلوكيات الشبيهة بصفات الطفل التوحدي . لكن بالطبع لا يمكن تشخيصه أبدا كطفل توحدي . لأن هذه السلوكيات أو الطباع لم تستمر معه ، ولم تعيق حياته . فمثلا قد يمشي الطفل على أطراف أصابعة ، أو قد يرفرف بيديه ، أو قد يدور حول نفسه .
وكل هذا لفترة من الفترات ، وليس هناك تكرار روتيني فهذا طبيعي . فلكي نشخص الطفل التوحدي يجب أن تظهر مجموعة كثيرة من الأنماط التوحدية يوميا ولفترة طويلة .
3- أي صفة أو طيف أو سلوك نعتبره أنه علامة على أن الطفل مصاب بهذا الإضطراب يجب أن يكون مستمرا بشكل يومي لفترة طويلة ( شهور متواصلة ) وأن يعمل هذا السلوك على إعاقة الطفل من أن يمارس حياته الطبيعية .
4- حوالي 50% من الأطفال التوحديين لديهم فرط حركة و تشتت في الإنتباه . و 25% منهم لديه صرع . وكثير منهم لديه مشاكل في الجهاز الهضمي .
5- الشاشات و الأجهزة الإلكترونية لا تصيب الطفل بالتوحد أو أطيافه ، إلا إذا كان هناك إستعداد وراثي عند هذا الطفل . كما أنها تزيد الأمور سوءا . لذلك نلاحظ زيادة في أعداد الأطفال التوحديين مؤخرا .
6- كلما كانت درجة هذا الإضطراب أشد كان تشخيصه أسهل و أسرع .
7- أهم شئ في كل ما سبق وفي كل ماهو آتي هو ما هي درجة فهم الطفل ؟ فلو كانت درجة الفهم لديه جيدة أو متوسطة أو أعلى ، فهذا مؤشر رائع و مشجع جدا جدا بأن هذا الطفل قابل للتعلم ولتعديل السلوك . وستكون النتائج معه مبهرة وسريعة ، بشرط تعاون الأسرة ، و وضع برنامج تعديل سلوك مناسب .
ماهي العلامات المبكرة للتوحد ؟ ( علامات تحذيرية )
1- من الممكن أن تلاحظ الأم في الشهور الأولى من عمر الطفل ( خاصة بعد الشهر السادس ) أثناء فترة الرضاعة أن الطفل لا يقوم بعمل تواصل بصري معها . كما أنه لا يبادل الأم أو من حوله ردات الفعل ، كأن يضحك عندما يضحكون له أو يداعبونه .
2- أيضا أحد علامات التوحد عند الأطفال من عمر سنة أو أقل ، هي أن هذا الطفل لا يستجيب عندما ننادي عليه من أول مرة ( بالطبع بعد إستبعاد أي مشاكل في السمع لديه ) فقط يستجيب بعد المناداة عليه باسمه بعد ثلاثة أو أربع مرات ، أو قد لا يستجيب من الأساس .
كذلك لايستطيع من عمر سنة أو أقل أن يشير بيديه ، أو يلتفت برأسه إلى الأشياء التي يريدها . ولا يتمتم بأي كلمات ، حتى لو كانت هذه الكلمات غير مفهومة . ولا يمد يديه ليحمله والداه .
3- أحد أهم أعراض التوحد عند الأطفال في عمر ثلاث سنوات أو سنتين ، هوا أن هذا الطفل يتبع روتين قاسي وصارم . لو تم تغييره فإنه سيظهر نوبات غضب شديدة . فلو تم مثلا تغيير اللبس الذي تعود عليه فسنجده يثور ويغضب بشدة .
4- معظمهم لا يوجد لديه أي كلمة تعبيرية يستخدمها للتواصل عند عنما يصل لعمر السنة و النصف ( 18 شهر ) مثل كلمة (بابا) أو (ماما) مثلا .
5- لا يستطيع نطق جملة بسيطة من كلمتين ( ولا يشترط حروف الجر ) عندما يكون عمره سنتين . كجملة (بابا أشرب ) مثلا .
6- من عمر السنتين لا يظهر أي تفاعل مع الألعاب . وليس لديه أي لعب تخيلي . كما سنعرف لاحقا . ويرتبط بأشياء قد تكون غريبة إرتباطا وثيقا كأن يرتبط بمفاتيح مثلا .
7- ضعف التواصل البصري في كل مراحل عمره بشكل ملفت .
ماهي نسبة إنتشار التوحد ؟
حسب أرقام الأمم المتحدة حوالي 1 % من سكان العالم مصابون باضطراب التوحد . و توجد دراسات وإحصائيات متخصصة في تتبع حالات التوحد حول العالم أشارت إلى أن النسبة أعلى من ذلك .
حيث ذكرت بعض المنظمات الطبية المتخصصة الأخرى أن نسبة التوحد بين الأطفال هي ( 1:60 ) أي أن من كل 60 طفل يولدون يوجد طفل بينهم مصاب بهذا الإضطراب . كما أن نسبة إصابة الذكور أعلى بأربع مرات عن الإناث .
وقد إزدادت نسب الإصابة بهذا الإضطراب بسبب زيادة الوعي به وبتشخيصه عن السابق. كما أن الحياة المعاصرة الحديثة لها دور كبير في إزدياد حالات الإصابة بالذاتوية وإظهار صفات و أطياف هذا الإضطراب .
فانشغال الأهل عن أبنائهم ، وجلوس الأطفال لفترات طويلة أمام الشاشات و ألعاب الفيديو . وانتشار الملوثات البيئية . وكثرة إستعمال الأدوية أثناء الحمل . كل هذا أدى إلى تفاقم وازدياد حالات ظهور هذا الإضطراب .
وكما قلنا سابقا فالشاشات و ألعاب الفيديو لا تصيب الطفل بالتوحد إلا إذا كان لديه إستعداد وراثي لذلك . وقد تصيب الطفل الطبيعي بصفات و أطياف تشبه الصفات التوحديه .
في أي عمر يمكن تشخيص طيف التوحد ؟
بداية لا يمكن تشخيص هذا الإضطراب عند الأجنة . فلا توجد علامات أو صفات يمكن بها تشخيص الجنين في رحم أمه بأنه طفل توحدي . أي لا يمكن أبدا إكتشاف هذا الإضطراب في الحمل إلا بواسطة إختبار الجينات ، والذي سنتحدث عنه لاحقا .
التوحد يصيب الأطفال منذ الولادة حتى عمر الثمان سنوات . أي أن الطفل خلال هذه الفترة قد يصاب بأطياف التوحد . لكن بعد سن الثمان سنوات فمستحيل أن يصاب الأطفال بالتوحد أو بأي صفة من صفات هذا الإضطراب ( طبعا بخلاف الأمراض النفسية الأخرى ) .
أما فترة ملاحظة صفات هذا الإضطراب على الطفل و بداية تشخيصه فتكون عندما يصل الطفل لعمر السنة و النصف (18) شهرا حتى عمر الثمان سنوات . حيث تظهر علامات هذا الإضطراب في تلك الفترة العمرية .
وتعتبر الفترة الذهبية لاكتشاف هذا الإضطراب وتشخيصه بدقة هي التي بين 18 إلى 36 شهرا . أي من عمر سنة ونصف حتى ثلاث سنوات . حيث تكون معظم الصفات و الأطياف التي سنذكرها لاحقا قد ظهرت بشكل واضح ، أو بدأت في الظهور .
ومن الممكن أن نلاحظ بعض الصفات في الطفل قبل عمر السنة كما ذكرنا بالأعلى ، كما أن هناك علامات تحذيرية ذكرناها أيضا يجب الإنتباه إليها . فكلما تم تشخيص هذا الإضطراب سريعا والتعامل معه بشكل سريع وجدي كلما كانت النتائج ممتازة ومشجعة والمجهود المبذول أقل . والعكس صحيح .
كما يمكن تشخيص التوحد مؤخرا عن طريق تحليل الحمض النووي الوراثي (DNA) . وهو تحليل دقيق ونتائجه دقيقة ويعيبه فقط تكلفته العالية نسبيا .
ويجب أن نعلم أن تشخيص هذا الإضطراب سلوكيا لا يكون إلا من خلال فريق متخصص ( أطباء نفسية وعصبية أطفال والمعالجين المهنيين وأخصائيي أمراض النطق واللغة ) وعلى فترات طويلة . حيث يتعايش أفراد هذا الفريق مع الطفل لساعات على جلسات عديدة . بالإضافة لمشاركة الأبوين في التقييم .
حتى تتكون فكرة كاملة هل الطفل توحدي أم لا ؟ وماهو مستوى ودرجة الإضطراب لديه ؟ ومن خلال ذلك يتم وضع خطة علاجية كاملة خاصة بهذا الطفل .
ما هي أعراض و علامات التوحد عند الأطفال
لو أظهر الطفل خمسة أو أكثر من الصفات أو السمات التي سنذكرها لكن بثلاثة شروط هي :-
1- تظهر هذه الصفات العديدة بشكل متكرر يوميا .
2- تستمر لمدة طويلة ( شهور ) متواصلة .
3- يجب أن تكون هذه الصفات معيقة ومعطلة لحياة الطفل الطبيعية .
ففي هذه الحالة يجب عرض الطفل على المختصين لتقييم الحالة بشكل أدق . فالتدخل المبكر هو أفضل علاج للطفل التوحدي .
ومن المهم جدا أن نعلم أن هذا الإضطراب لا يمكن أن يتم تشخيصه بواسطة صفة واحدة أو إثنتين أو ثلاثة من الصفات التالية . فكثير من الأطفال يظهورون صفة أو إثنتين من صفات وسمات التوحد ، قد تستمر معهم لفترة من الفترات وقد تختفي بعد ذلك أو تقل درجتها .
من المهم أيضا أن نقارن طفلنا من حيث المهارات و التواصل بالأطفال في مثل سنه . فمثلا لا نقارن الحصيلة اللغوية وطريقة لعب طفل عمره سنتين بطفل عمره خمس سنوات .
ومعظم هذه الصفات تبدأ بالظهور من عمر ستة شهور حتى عمر سنتين ونصف أو ثلاث سنوات . وأحيانا قد تظهر بعض الصفات بعد عمر الثلاث سنوات حتى عمر ثمان سنوات ، لكنها تكون صفات قليلة كما ذكرنا من قبل .
كما يجب أن يتم فحص السمع والبصر لدى الطفل للتأكد من عدم وجود أي مشاكل فيهما . أما صفات التوحد عند الأطفال فهي على النحو التالي :-
1- الحركة المفرطة
يعاني كثير من أطفال إضطراب التوحد من فرط الحركة و تشتت الإنتباه . حيث يظهر هؤلاء الأطفال حركة دائمة غير مستقرة ، وتكون بلا هدف . فنجده يتحرك من نقطة لنقطة ذهابا و إيابا بلا كلل أو ملل وبلا هدف . أو يدور حول نقطة معينة بنفس الطريقة .
وهو يقوم بذلك لأنه يريد أن ينفصل عن العالم المحيط به ، و يعيش في عالمه الخاص الذي يتخيله في مخيلته . فبالنسبة لنا هو يقوم بحركات مستمرة غير هادفة ، لكن في الواقع هو يعيش في عالمه الخاص ، ويتخيل سلسلة من الأفكار و الأحداث الخيالية .
وقد يقوم بذلك ليقلل من الضغط والإحباط الذي يشعر بهما بسبب إحساسه بالتوتر أو الخوف والقلق من المحيط الذي يعيش فيه .
ولا يكف عن هذه الحركة المستمرة إلا بمثير يحبه ومتعلق به بشكل كبير . كأن يرى لعبة خاصة به متعلق بها جدا مثلا . أو يسمع صوت موسيقى برنامج يحبه ويتابعه جيدا في التلفاز .
2- الرفرفة ( علامة مهمة )
الرفرفة باليد ( Hand flap ) تكون بصفة يومية ( بعض الأطفال الطبيعيين يقومون بالرفرفة لكن بشكل بسيط و غير مستمر . وتكون بسبب ، كأن يشعر بالسعادة . لكن مثلا مرة كل عدة أيام وتختفي بعد فترة )
أما الطفل التوحدي فيقوم بها يوميا وباستمرار تعبيرا عن مشاعره . خاصة عندما يحدث أمر يجعله سعيدا أو متحمسا ، كذلك عندما يشعر بالغضب .
3- حركات تكرارية
يقوم بحركات تكرارية مستمرة بلا هدف وبلا سبب . كأن يقوم بهز الجزء العلوي من جسده للأمام و الخلف وهو جالس على الكرسي باستمرار . أو يقوم بهز رجليه وهو جالس ، أو هز رأسه يمينا و يسارا أو للأمام والخلف بشكل متواصل . وقد يصاحبها الرفرفة . ولا يتوقف عندما يطلب منه التوقف .
4- التواصل البصري لديه يكون ضعيفا ( علامة مهمة )
لا يحب النظر إلى العين مباشرة ( eye to eye contact ) . فلو نظرت إلى عين الطفل التوحدي ستجده مباشرة يبعد نظره عنك . كما أنه لا ينظر إليك عندما تحدثه أو عندما يحدثك . وحتى لو نظر في عينك فهذا فقط لمدة ثواني ، ثم يشيح بنظره عنك مرة أخرى بسرعة .
5- يمشي على أطراف أصابع قدميه
يجب أن نعلم أن هذه الصفة من الممكن أن يقوم بها بعض الأطفال الطبيعيين فليس كل طفل يمشي على اطراف أصابعه طفلا توحديا .
فالطفل الطبيعي أو العادي قد يجرب هذه الطريقة من المشي وقد تعجبه فيستمر عليها فترة من الفترات لكن ليس دائما . بل مرة كل عدة أيام مثلا . أما الأطفال التوحديين فيقوم بعضهم بالمشي بهذه الطريقة بشكل يومي وباستمرار و لفترات طويلة . سواء كان يرتدي حذاء أم لا .
6- نوبات الغضب أو الضحك
فجأة قد نجده يبكي و يصرخ ، أو يضحك بشكل هستيري وبشكل مفاجئ . كل هذا بدون سبب وبلا أي مقدمات . ويحدث ذلك بشكل يومي . حيث أنه في هذه الأوقات يتذكر أحداث حصلت في الماضي سواء مبهجة أو حزينة ويستجيب لها الآن . فذاكرة الأطفال التوحديين قوية .
كما أنه يستخدم نوبات الغضب الشديدة في الإعتراض . وتكون نوبات غضب عنيفة جدا ( ليست طبيعية ) كالصراخ والبكاء بصوت عالي ،
وقد يضرب نفسه أو يعض يديه ، أو يؤذي نفسه بأي وسيلة كأن يقوم بضرب رأسه بالأرض بعنف . وكل هذا ليبين أنه معترض أو مستاء من أمر ما . أو ليؤثر على أبويه ليستجيبوا لطلباته .
7- لا يهتم بتنفيذ الأوامر
عندما تطلب منه أن يقوم بأي شيء سواء لفظي ( كأن تقول له كرر ورائي الكلام ) أو فعلي ( كأن تأمره بأن يغلق الباب مثلا ) فلن تجد منه اي إستجابة . فهو لا يبدي أي إهتمام أو تجاوب كأنه لا يراك وكأنه لايسمعك ( غير مبالي ) .
8- لايمكن التحكم فيه
من أكثر الأمور الصعبة مع طفل التوحد هو صعوبة السيطرة عليه ، سواء داخل المنزل أو خارجه أو عند زيارة الأهل و الأصدقاء . فبسبب فرط الحركة لديه يسبب ضوضاء وإزعاج لمن حوله . فنجده داخل المنزل قد يقوم بتكسير الأشياء مثلا ، ويقفز من مكان لآخر .
أما خارج المنزل فالأمور تكون أكثر سوءا بكثير ، فنجده يتحرك في كل الإتجاهات ولا يبالي بابتعاده عن أهله ولا يخاف . ولا يبالي بنظرات الناس حوله ولا يهتم . وفجأة نجده يترك يد والده ويذهب يقطع الطريق غير مبالي بالمركبات السريعة في الشارع . لذلك قد تقلل الأسرة من الخروج أو لا يأخذونه معهم .
لذلك فمن أهم فوائد تعديل السلوك للطفل التوحدي والتي تظهر نتائجها بشكل مفرح للأبوين ، هو تعلم الطفل إطاعة الأوامر والقدرة على السيطرة على حركاته وانفعالاته .
وأن يتدرب ويتعلم كيف يسيطر على نفسه ويتحكم في مشاعره وتصرفاته . وهذه النقطة هي حجر الزاوية في برنامج التعديل السلوكي له .
9- لا يستطيع اللعب بشكل تخيلي ( علامة هامة )
من عمر السنة و النصف حتى سن سنتين و أكبر يستطيع الطفل الطبيعي أن يلعب بشكل تخيلي . فمثلا عندما يشاهد الكبار يتحدثون في الهاتف فإنه يقوم بتمثيل أنه يتحدث في الهاتف أيضا ، سواء بوضع يده أو أي قطعة على أذنه ، ويتمتم بالكلمات كأنه يتحدث في الهاتف .
أو نجد طفلة صغيرة معها لعبة على شكل طفلة تحملها وتربت عليها ، وتقوم بتمثيل أنها تطعمها . وهي بذلك تتخيل أنها أم ، وأن هذه الدمية طفلتها .
حيث انها تقلد والدتها مثلا عندما كانت تطعمها ، أو تقلد مشهدا رأته على الشاشة . ويقوم الأطفال بالتخيل والتقليد بهذا الشكل بداية من عمر ال18 شهرا كما ذكرنا .
أما طفل اضطراب التوحد فلا يستطيع أن يتخيل كالأطفال ، ويفتقد لمهارة اللعب التخيلي . وهي صفة في غاية الأهمية .
بل نجد أن طفل إضطراب التوحد لا يتعامل مع الألعاب بالشكل الطبيعي . فمثلا لو أعطيناه لعبة على شكل سيارة ، فالطفل العادي في مثل سنة سيمسكها ويضع عجلاتها على الأرض ويحركها جيئة وذهابا .
أما الطفل التوحدي فسنجده يقلبها على ظهرها ويقوم بلف عجلاتها بيديه بشكل مستمر ، ولفترات طويلة قد تصل لساعات و ساعات . وعندما نقوم بتعديلها له لتكون بالشكل السليم ونريه كيف يلعب بها بالطريقة الصحيحة ، فإنه يغضب و يقوم بقلبها مرة أخرى على ظهرها ويدير العجلات بأصابعه مرة أخرى .
فهو يلعب بالأشياء بشكل مختلف عن باقي الأطفال . فمثلا لو أحضرنا له لعبة المكعبات ، فلن يقوم ببناء أشكال وتركيبها كباقي الأطفال ، لكن سيقوم بترتيبها في صف واحد مستقيم تماما .
أو يرصها على شكل صفوف متوازية ومستقيمة بشكل دقيق تماما ( فهو يحب رص وصف الأشياء بدقة ) وقد يصفها على حسب الألوان أو الأحجام ، الأصفر مع الأصفر ، و الكبير مع الكبير وهكذا .
10- يحب لف الأشياء كما أن الأشياء التي تدور تجذب إنتباهه بشدة
يعشق لف و تدوير الأشياء ، كما في مثال عجلات السيارة الذي ذكرناه بالأعلى . كما أن أي شئ يدور حول نفسه يجذب إنتباهه بشدة و يستوقفه .
فقد نجده يتطلع في السقف لساعات طويلة يراقب مروحة السقف التي تدور وقد يدور معها . أو نجده يجلس أمام غسالة الملابس ينظر إليها وهي تدور طوال فترة عملها .
11- لا يهتم بوجود والديه ( سمة هامة جدا )
لا يكترث بوجود والديه معه . فنجده لو كان معهم في أي مكان خارج المنزل يتركهم و يمشي بمفرده في أي إتجاه وبلا هدف . ولا يلتفت للبحث عنهما ، بل يظل يسير . ولو ترك سيمشي مسافات طويلة ويبتعد غير مبالي ، وكأنه يعيش بمفرده وغير مرتبط بأحد تماما .
ومن العلامات الهامة جدا هي عدم ملاحظته لغياب والديه أو حضورهما . فلو كان مثلا يجلس في وسط المنزل و رأى أحد والديه يستعد للخروج خارج المنزل فلن يتشبث به ، أو يبدي حزنا أو أي رغبة في مرافقته .
ولو جاء والداه من الخارج فلن نجده يلتفت إليهما ، أو يعبر عن شعوره بالفرح لقدومهما ، أو يجري نحوهما .
كما أن من العلامات الهامة والتي تظهر على طفل التوحد قبل عمر السنة ، هي أن الطفل لا يقوم بمد ذراعيه لأحد أبويه ليأخذه ويحمله ، حتى لو أن والديه يمدان ذراعهما له فلن يبادلهما هذه الحركة .
12- لا يهتم بالأشخاص الأغراب ولا يخاف منهم
الطفل العادي عندما يشاهد شخصا غريبا عنه فإنه يتعامل معه بخوف و حذر . وقد ينكمش و يلتصق بأبويه . ولا يتحرك في المكان إلا بعد أن يشعر بالألفة والإطمئنان . خاصة عندما يشاهد والديه يندمجون مع هذا الشخص الغريب ، ويتبادلان الكلام والضحك .
أما طفل اضطراب التوحد فلا يبالي ولا يكترث بالأغراب وكأنهم غير موجودين أو كأنه يعرفهم بشكل كامل من قبل . فنجده لا يخاف منهم ولا يهابهم ، بل ولا ينظر إليهم حتى . وقد يذهب في إتجاههم مباشرة ليأخذ من هذا الشخص الغريب مفاتيح أو هاتف محمول معه من أول نظرة إليه .
13- التعلق الشديد ( سمة مهمة )
طبيعي أن يتعلق الأطفال العاديين بأشياء كالألعاب ، و يحبون أطعمه معينة كالحلويات مثلا . لكن تعلقهم يكون بشكل طبيعي وعادي . ولو تم التغيير أو منع هذه الأشياء عنهم فقد يشعرون بالإنزعاج أو يعترضون لكن في حدود طبيعية ، ومن السهل إقناعهم أو السيطرة عليهم .
أما طفل طيف التوحد فإنه يتعلق بأشياء معينة تعلق شديد جدا و صارم وغير طبيعي . فنجده يتعلق بلعبة معينة لا يحب أن يلعب بغيرها . وقد يتعلق بأشياء غريبة كأن يتعلق مثلا بقطعة خشبية ، أو سلسلة ملونة ، أو بفرشة أسنان .
المهم أن هذه الأشياء يظل ممسكا بها طوال الوقت ، ولو أخذت منه أو قام من النوم ولم يجدها بجواره فقد يدخل في نوبة هستيرية من الغضب والصياح والبكاء ، لكن وبمجرد إعطائها له يسكت مباشرة .
كما يتعلق بلبس معين لا يحب تغييره أبدا ، أو حذاء معين ، فلو تم تغييره فلن يلبس ولن يستطيع الخروج ، ولن يستطيع أهله السيطرة عليه أو إقناعه أبدا .
كما نجده متعلقا بنوعية طعام محددة ، فنجده يفضل ثلاثة أو أربعة أصناف و ألوان من الطعام ، و أي تغيير في هذه الأشياء فلن يأكل . أو قد يتعلق بكوب ماء خاص به ، فلو لم يجده فلن يشرب طوال اليوم .
فتعلقه بهذه الأشياء يجعله لو تم تغييرها يدخل في نوبات غضب هستيرية ، وبالتالي فهذا التعلق الصارم يعيق حياته بشكل واضح .
14- روتيني بشكل قاسي وصارم جدا
نجده يتبع تسلسل معين وترتيب معين لا يحيد عنه أبدا ، ولا يرضى بتعديله أو التغيير فيه . فنجده مثلا يرتدي التي شيرت أولا ، ثم البنطلون ، ثم الشراب ، ثم الحذاء . فكل هذا لابد بالنسبة له أن يتم بنفس الترتيب .
فلو قمنا مثلا بجعله يرتدي البنطلون قبل التي شيرت ، فهذا بالنسبة له تغيير فظيع في روتينه المحدد فنجده يرفض تماما .
كما أن صفة التعلق التي ذكرناه بالأعلى تعتبر نوعا من أنواع الروتين الصارم والقاسي أيضا . فهاتين الصفتين ( التعلق الشديد و الروتين القاسي ) من أكثر المشاكل والصعوبات التي تواجه الأسرة .
حيث تكون الحياة مقيدة وأي تغيير ولو بسيط سيؤدي إلى نوبات الغضب ، أو إلى إعاقة إستمرار الحياة الطبيعية .
15- لا يتأقلم بسهولة أبدا مع أي تغيير ولو كان بسيطا
أيضا من ضمن أبرز الصعاب في طبيعة طفل طيف التوحد ، هي عدم قدرته على التأقلم مع التغيرات التي تحدث من حوله .
فهو شديد التركيز ، و سريع الملاحظة ، وقوي الذاكرة . لكن للأسف لا يحب التغيير ، فبالتالي هذه الخصائص تعمل على تعطيل وإعاقة سريان الحياة بشكل طبيعي بالنسبة له .
فمثلا لو وجد أن ساعة الحائط قد تم تعليقعها على الحائط المقابل ، أو أن موضع التلفاز قد تم رفعه لأعلى ، فسيلاحظ ذلك فورا وقد يثور أو يتوتر .
كما أنه لو كان معتادا على أن يسلك والده طريقا معينا للمدرسة ، فلو غير والده هذا الطريق فسنجده يلاحظ فورا ، ويغضب لهذا التغيير .
وأحد أبرز المشاكل هي عند تغيير المدرسة أو الحضانة أو الفصل ، فسنجده لا يتأقلم ، وسيصاب بنوبات هلع و غضب . ويبدأ في عض نفسه ، أو ضرب رأسه بيده أو في الحائط في شكل نوبات غاضبة جامحة تعبيرا منه على رفضه لهذا التغيير .
16- لا يلتفت إلى المكان الذي نشير بيدنا إليه ( سمة هامة جدا )
أحد أهم علامات طيف التوحد والتي من الممكن ملاحظتها في سن مبكرة ( قبل عمر السنة ) هي أن الطفل لايلتفت ولا ينظر إلى الإتجاه أو النقطة التي نشير إليها بيدنا أبدا .
فحتى لو كنا نشير بإصبع يدنا إلى هذه النقطة ونطلب منه أن ينظر في هذا الإتجاه ومهما أصدرنا من أصوات أو إشارات أو تنبيهات ، ومهما كررنا الإشارة فلن يستجيب . بل سيظل ثابت النظر في إتجاه آخر ولن يبالي ولن يهتم .
17- ردة فعل مفرطة تجاه المؤثرات الخارجيهة
يظهر أطفال أطياف التوحد حساسية شديدة ومبالغ فيها تجاه المؤثرات الخارجية ، كالصوت العالي . فلو تواجد في مكان به أصوات عالية ( كالأفراح مثلا ) سنجده يغلق أذنيه بيديه بشدة ( علامة مهمة ) . كذلك لو أن الإضاءة كانت عالية سنجده يتأذى ويغلق عينيه بشدة .
كما أنهم يظهرون ردة فعل حادة ويبتعدون سريعا وينفرون بشدة من اللمس . لذلك نجدهم لا يحبون الأحضان أو الطبطبة ، بل يبتعدون ويبدون إمتعاضا شديدا من هذا التقارب ، حتى لو كان من جهة الأبوين .
18- لا يستجيب عندما ننادي عليه باسمه ( علامة هامة جدا )
عندما نناديه باسمه لا يرد علينا أبدا ، ولا يلتفت تجاه الصوت ، ولا يبدي أي نوع من التفاعل أو الإستجابه كأنه أصم لا يسمع . وبالطبع لابد من التأكد أن حاسة السمع لديه تعمل بشكل جيد .
ومن الممكن معرفة أن حاسة السمع لديه تعمل من خلال معيشته معنا بأن نلاحظ عندما يكون الطفل نائما ويتم إغلاق الباب بقوة سنجد هذا الطفل قد إستفاق من النوم . أو لو كان يجلس في غرفته ثم سمع صوت لعبة يحبها في الغرفة المجاورة فسنجده يذهب إليها .
19- عندما يريد شيئا فإنه لا يتكلم ويطلبه ولا يشير إليه ( سمة هامة )
من السمات و العلامات الهامة في تشخيص طيف اضطراب التوحد ، هو عدم قدرة الطفل التوحدي على طلب الأشياء التي يريدها بشكل طبيعي .
فمثلا إذا أراد أن يشرب أو يأكل فهو لن يتكلم مع والدته بأي كلمات ليعبر لها عن جوعه أو عطشه . ولن يشير إلى مكان الماء أو مكان الطعام . بل سيمسك والدته من يدها ويمشي معها حتى يصل إلى الثلاجة ، ثم يقف صامتا .
ولو فهمت الأم أنه يريد الطعام والشراب وأحضرته له فسيأكل ويشرب . أما لو لم تفهم الأم مايريده أو أحضرت له شيئا مختلفا سنجده مازال يقف بشكل صامت . أو يبكي أو يبدي غضبه من عدم تنفيذ مايريده .
لكن في كلا الحالات لن يشير ولن يتكلم بما يريده ( حتى لو كان يستطيع الكلام ) . فأحد علامات التوحد الهامة هي أن الطفل لا يتكلم ولا يشير .
كما أنه لو كان ناطقا سنجده لايجيد إستخدام الضمائر بالشكل الصحيح كما يحدث مع الأطفال في مثل عمره . فمثلا لو كان إسمه أحمد وكان يريد أن ينام فإنه لن يقول أريد أن أنام بل سيقول ( أحمد يريد أن ينام ) .
20- سرحان و جمود النظرة
في كثير من الأوقات نجده يتطلع بعينه إلى نقطة ما ( ليست هامة كاتلفاز مثلا أو لوحة فنية ) بل نقطة غير مهمة وغير ملفتة من الأساس . كأن ينظر بثبات إلى منطقة محددة في زاوية السقف مثلا وكأنه سارح في عالم موازي . وعندما نناديه لنلفت إنتباهه لا يستجيب ، بل يظل نظره ثابت .
21- تكرار الكلام ( صدى الصوت ) Echolalia
صدى الصوت أو تكرار الكلام من الأمور المشهورة لدى طفل التوحد . حيث يكررون الكلمات حرفيا ، وأحيانا بنفس نبرة ومستوى الصوت . وقد تكون الكلمات المكررة من أشخاص مقربين كالآباء أو المعلمين ، أو من خلال الفيديوهات التي يسمعها .
وقد يقوم بتكرار جمل كاملة ، أو تكرار أصوات بنفس النغمة ، أو يكرر كلمة واحده والتي غالبا تكون آخر كلمة . كأن تقول له مثلا ( هيا نشرب العصير ) فسيردد ( العصير ) .
ومن الملاحظ أن صدى الصوت قد نشاهده لدى الأطفال العاديين كجزء من تطور اللغة لديهم ، في الأعمار ما بين سنة ونصف حتى السنتين ونصف . لكن يكون بشكل بسيط وغير ملحوظ . كأن يتم حدوثه مرة أو مرتين كل عدة أيام ، بخلاف الطفل التوحدي .
22- نبرة الصوت مختلفة
أحد الأمور التي يلاحظها الأهل في طفل التوحد هو نبرة صوته ، حيث تكون مختلفة ومميزة عن الأطفال الآخرين .
فقد يتكلم بعضهم بسوط رتيب وبلا تعابير كأنه إنسان آلي يتحدث بوتيرة واحدة ، أي مستوى صوت واحد بلا أي إنفعالات . وقد يشدد بعضهم أو يمد في بعض الكلمات . أو يتكلم بعضهم بصوت أعلى من الطبيعي .
كما أنهم يواجهون صعوبة شديدة في تعديل نغمة الصوت سواء بالعلو أو بالإنخفاض للتعبير عن مشاعرهم . كما أن صوتهم في البكاء يكون غير طبيعي ، وهذه أحد علامات التوحد التي قد تلاحظها الأسرة على طفلهم الرضيع قبل بلوغه السنة حين يبكي .
23- لا يجيد قراءة مشاعر الآخرين ولا يجيد التعبير عن مشاعره
في معظم الأحيان يواجه أطفال طيف التوحد صعوبة بالغة في فهم و ترجمة مشاعر الآخرين ، وفي تفسير لغة الجسد . حيث يجدون صعوبة أو لا يستطيعون فهم تعبيرات الوجه أو الإشارات العاطفية كنبرة الصوت أو الحركات .
فنجده لا يفرق بين الوجه الغاضب والوجه الذي يبتسم ، أو الصوت العالي الغاضب والصوت المنخفض السعيد ، حيث تكون ردة فعله واحدة ( وجه غير مبالي ، ولا توجد عليه أي تعبيرات لرد الفعل ) كما أنهم يفتقدون التعاطف مع من حولهم ، فلو كان بجانبه طفل يبكي فلن يتأثر به .
كما أنهم لا يجيدون التعبير عن مشاعرهم كذلك بالشكل الطبيعي . فنجدهم عندما يشعرون بالسعادة أو الخوف يصفقون أو يرفرفون بأيديهم ، أو يذهبون خلف الباب ، أو ينزلون تحت الطاولة .
كما أنه يلاحظ عليهم من عمر السنة تقريبا أننا لا نستطيع قراءة مشاعرهم ( الفرح ، الغضب ، الخوف ، القلق ) من خلال ملامح وجوههم . أي أن طفل التوحد لا يستطيع قراءة ملامح وجوهنا ولا نستطيع قراءة ملامح وجهه .
24- لا يستطيعون الإندماج أو تكوين صداقات
الطفل العادي عندما يشاهد أطفالا في مثل عمره يلعبون ، فإنه يذهب إليهم ويندمج معهم مباشرة . أو يقترب منهم بحذر حتى يندمج معهم . أو عندما يذهب أحد والديه معه ليشركه مع هؤلاء الأطفال في اللعب فإنه يندمج معهم سريعا بمساعدة أبويه .
أما طفل اضطراب طيف التوحد فإنه عندما يشاهد أطفالا في مثل عمره فإنه لايبالي بهم أساسا ، كأنه لا يراهم ولا يسمعهم .
ولو ذهب في إتجاههم و تقرب منهم فسنجده يقف صامتا بالقرب منهم ، ولا يشترك معهم في أي نشاط . وحتى لو قام أحد والديه أو معلمه في محاولة إشراكه مع الأولاد فإنه لن يستجيب . فهو طفل غير إجتماعي بطبعه ، ويحب التفرد بنفسه و الوحده .
حيث نجده يفضل الوحدة ، ويجلس وحيدا لفترات طويلة . فمن الممكن أن يظل جالسا تحت الطاولة أو ينظر من خلال الشباك على الطريق لمدة ساعات طويلة دون أن يمل .
كما أنه لا يستطيع تكوين صداقات فنجده لا يبادر بالتحدث مع من حوله ولا يجيب عن الأسئلة ولا يستطيع إكمال حوار أو نقاش . ولا يتشارك مع من حوله في إهتماماتهم ( إنطوائي جدا ) .
25- التراجع و الإنتكاس ( من أهم الصفات )
من الطبيعي أن يتعلم الطفل المهارات الكلامية والحركية ، ولغات التواصل سواء بالكلام أو بالإشارة . ويكتسب مهارات جديدة ويتطور كل يوم عن اليوم الذي قبله .
لكن مع طفل التوحد نجد أنه مثلا لو كان ينطق كلمة بابا أو ماما ، أو ينطق بعض الكلمات عند عمر السنة أو السنة والنصف مثلا فسنجد أنه فقدها بشكل تام بعد فترة من الزمن . حيث نلاحظ أنه بدأ يفقد ماتعلمه من كلام حتى يصبح غير ناطق وكأنه طفل أخرس .
ولو كان ينظر بعينه بشكل معقول ، أو كان يشير إلى الأشياء ، أو يلعب مع الأطفال ، سنجد أن كل ذلك إختفى . وهكذا مع كل المهارات التي إكتسبها وتعلمها في السابق ، حيث سنلاحظ أن هذه المهارات بدأت في الإنحسار حتى تختفي ، سواء تدريجيا أو بشكل مفاجئ .
26- الحصيلة اللغوية و تطور اللغة عند طفل التوحد
يكون لديه تأخر في الكلام . وقد يكتسب بعض الكلمات ولكن يفقدها مع مرور الوقت . وحتى لو لم يفقدها فإنه لا يستعمل تلك الكلمات في التواصل . أو لا يستخدم الكلمات في مكانها المناسب .
خلاصة أعراض طيف التوحد
مما سبق من السمات و الصفات سنلاحظ أن التوحد هو اضطراب نمائي يولد به الطفل ، أو يكتسب بعض السمات و الأطياف ، أو تظهر عنده بعض الأطياف لو كان لديه إستعداد وراثي من خلال البيئة . ويكون هناك مشاكل في أربعة أمور هي :-
1- ضعف في التواصل وتكوين العلاقات .
2- ضعف في اللغة أو إنعدامها . وتأخر في الكلام .
3- فرط الحركة و تشتت الإنتباه .
4- حركات تكرارية . مع روتين قاسي .
هل التوحد له علاج ؟
من أكثر الأسئلة في هذا المجال ( ماهو علاج التوحد ) أو ( أريد علاج نهائي للتوحد ) أو ( ماهو علاج التوحد البسيط ) أو ( ماهو العلاج الأفضل للتوحد ) .
والإجابة باختصار هي أن التوحد إضطراب يمكن الشفاء منه تماما ، أو التحسن منه بشكل كبير كما ذكرنا بالأعلى ، بشرط أن لا يكون مصاحبا لتأخر عقلي .
فلو كان الطفل مصابا ببعض أطياف التوحد وكان ذكاؤه وفهمه جيد كما ذكرنا ، فإن الشفاء من هذه السمات سيكون أمرا بسيطا . بشرط إتباع برنامج تعديل السلوك المناسب ، والتزام الأسرة بالتعليمات .
أما لوكان التوحد من النوع الكلاسيكي ، فلا يمكن الشفاء منه . لكن مع برامج التعديل السلوكي والأدوية المناسبة فإنه من الممكن أن يستفيد هذا الطفل كثيرا ، وتتحسن حالته بشكل جيد .
فلو تم تشخيص الطفل مبكرا من قبل فريق متخصص ، وتمت معرفة نقاط القوة و الضعف لديه بشكل واضح ، وعلى هذا الأساس تم وضع برنامج تعليم مهارات و تواصل و تعديل السلوك مناسب وخاص بهذا الطفل ، وتم تطبيقه جيدا مع تعاون الأسرة ، فستكون النتائج ممتازة جدا .